أخر المواضيع

لانحياز.. وصفة لصناعة التطرف!

22/01/2015

د/ محمد خالد الأزعر- البيان الإماراتية

في نوفمبر 1947 صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح تقسيم فلسطين، ليس لأنه كان الخيار الأفضل سياسياً، ولا الأنسب أخلاقياً، ولا الأعدل قانونياً للتسوية بين الفلسطينيين العرب والصهاينة،..


 
قراءة : 1407 | طباعة : 34 |  إرسال لصديق :: 0 |  عدد المقيمين : 1

في نوفمبر 1947 صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح تقسيم فلسطين، ليس لأنه كان الخيار الأفضل سياسياً، ولا الأنسب أخلاقياً، ولا الأعدل قانونياً للتسوية بين الفلسطينيين العرب والصهاينة، ولكن لأن الولايات المتحدة بالذات مارست أقسى الضغوط لتمريره.
أقل الخلق دراية بالقانون الدولي وبالضوابط الإجرائية اللازمة لصدور قرار بهذه الخطورة، كان يعلم بلامشروعية هذه الخطوة من الزاوية الحقوقية البحتة؛ ناهيك عن مجافاتها للحقائق التاريخية والديموغرافية المعلومة وقتذاك عن المسرح الفلسطيني.

لقد تعرض كثير من المختصين العدول إلى هذه الحيثيات بين يدي المداولات السابقة على القرار والمناظرات اللاحقة عليه. وكان المؤكد لديهم أن العالم بصدد خيار يؤجج الصراع المستعر في فلسطين ومحيطها الإقليمي، فيما المطلوب هو العكس.. ومع ذلك مضت واشنطن قدماً في إسنادها له.
وحين بدت سوءات التقسيم جلية للناظرين، ولا سيما عقب احتدام القتال الدامي في طول فلسطين وعرضها وصولاً إلى حرب 1948/1949، راحت بعض المؤسسات الأميركية وعلى رأسها وزارة الخارجية تتلمس سبل التراجع عنه، لكن الخرق كان قد اتسع على الراتق، وكانت فلسطين والشرق الأوسط برمته قد حُشرا في دائرة لعينة من النار والدم.

على مدار الحقبة الممتدة بين يوم التقسيم المشؤوم وساعتنا هذه، مرت عشرات الفرص التي كان بوسع المجتمع الدولي انتهازها لوقف هذا النزيف. غير أن صناع القرار الأميركيين المأخوذين بالرؤى والدعاوى الصهيونية كانوا لها بالمرصاد. وفي تقديرنا أن أحدث هذه الفرص هي التي انطوى عليها مشروع القرار الفلسطيني الذي عرض على مجلس الأمن قبيل لحظات من غروب العام 2014.

ما يدعو للأسى أن هذا المشروع تعرض، قبل طرحه رسمياً، لكثير من المباحثات والمناظرات الداخلية الفلسطينية والعربية الإقليمية والدولية، حتى قيل إنه جاء يوم التصويت وقد راعى مختلف المحاذير التي يخشاها كل المعنيين، بما فيهم واشنطن وتل أبيب ذاتهما.
بل ذهب البعض إلى أنكى من ذلك، وهو أن معظم القوى الفلسطينية بمستوييها السياسي والمدني لم تر فيه غاية المراد، وكانت تقدر أن ضرره ربما كان أكثر من نفعه بالمعنى العميق.

ومع ذلك، أعادت واشنطن مواقفها التقليدية المتربصة بالحقوق الوطنية الفلسطينية.. وفي سياق هذا العداء المستحكم، عميت أبصار صانع القرار الأميركي عن تفضيلات وردود أفعال الأصدقاء العرب وبعض الحلفاء الأوروبيين. لقد بدا وكأن إرضاء إسرائيل مقدم على إرضاء الناس أجمعين، وهو أمر يعلو على سوية القانون الدولي وربما يفوق حسابات المصالح الأميركية.

قطع الطريق على استقلال الفلسطينيين ودولتهم، سيمنح قوى الكراهية والتطرف والبغضاء، على جانبي الصراع في فلسطين ورحابها الإقليمية أكثر من قبلة للحياة والانتشاء. فالصهاينة سيقولون إنه طالما كان الظهير الأميركي جاهزاً لإسنادهم، كما كان أمره معهم منذ يوم التقسيم، فلا شيء يجبرهم على ما لا يريدون.
وهذا سيزيدهم طغيانا وعصيانا للقانون والتنظيم الدوليين. وسوف يتأكد فلسطينيون وعرب كثيرون بأن عالم القانون والنظام والأخلاق لن ينصفهم ولو تنازلوا إلى قاع طموحاتهم، وربما أصبح بعض هؤلاء فرائس سهلة المنال للتنظيمات والأطر الموصوفة بالمروق والتمرد.

وفي سياق كهذا، سوف تشحب تأثيرات خطابات الاعتدال والوسطية. وقد تضطر القوى الداعية إلى الكلمة السواء إلى الانسحاب والانزواء، فيما يخلو المشهد للمتشددين بكل المعاني، الذين يعودون بالصراع الى نقطة الصفر.. ترى هل هذا ما تريده واشنطن؟

غداة صدور قرار التقسيم، ثبتت صحة توقعات العقلاء؛ الذين رأوا أن القرار يرش ملحاً على جرح، ولن يؤدي الى استتباب السلم والأمن في فلسطين. واليوم لا نجد حرجاً في الاعتقاد بأن إحباط الآمال الفلسطينية والعربية في مجلس الأمن، سيمضي بالصراع إلى ما دون هذه النتيجة..
ندفع بذلك وفي الخاطر أن البيئة الإقليمية باتت أكثر جهوزية لاستقبال المحبطين وتلقفهم وحشدهم في غياهب أنفاق مظلمة، لا يدري أحد كيف السبيل إلى الفكاك من إسارها. هذه قضية تبدو كالمسلمات التي لا حاجة للبرهنة عليها.

ليست هناك تعليقات